Sunday 20 December 2015

شركة النفط التركية



شركة النفط التركية
بقلم : غانم العـنّاز

 
                   
لقد اصبحت مشتقات النفط معروفة لكل واحد منا في هذه الايام لتصبح من متطبات حياتنا اليومية التي لا غنى لنا عنها. فنحن نستخدمها لتشغيل معاملنا وسيارتنا وآلاتنا وادواتنا المنزلية ولتوليد الطاقة الكهربائية لإنارة منازنا ومخازننا وتدفئة بيوتنا ولطبخ وحفظ اطعمتنا . كما انها تدخل في صناعة آلاف السلع كالاثاث والاقمشة وغيرها اضافة الادوية والاسمدة وما الى غير ذلك من الاستعمالات التي يصعب حصرها.

لمحة تاريخية
ان النفط الخام والقار كانا معروفين ومستعملين منذ آلاف السنين. فالعيون التي يتسرب منها النفط الى سطح الارض موجودة في بلاد كثيرة منها العراق وايران واذربيجان وغيرها. ويعتقد بأن السومريون قد استعملوا القار لطلاء قواربهم المصنوعة من البردي قبل خمسة الاف سنة. كما يقال بان القفة التي لا زالت مستعملة في وقتنا 
الحاضر يعود تاريخها الى سومر.




القفة في القرن العشرين
كما استعمل القار كمادة مانعة للرطوبة من قبل البابليون قبل ثلاثة آلاف سنة في انشاء زقوراتهم وجدران عاصمتهم بابل وجنائنها المعلقة احدى عجائب الدنيا السبع. ويقال بان القار استعمل كذلك في تبليط بعض طرق بغداد عند تشييدها عام 762 ميلادية. كما ان الشعر العربي منذ العصر الجاهلي لا يكاد يخلو من ذكر الابل الحبيبة الى قلوب العرب او من ذكراصابتها بمرض الجرب المعدي وعلاجه بطليه بالنفط الذي استمر استعماله الى زمن غير بعيد.
لقد تمكن الكيمياوي محمد الرازي في القرن التاسع الميلادي من الحصول على الكيروسين (النفط الابيض او الكاز) لاستعماله في الاضاءة من تقطير النفط في وعاء الانبيق. كما يعتقد بان عملية التقطير هذه قد نقلت الى اوروبا في القرن الثاني عشر عن طريق الحضارة الاسلامية المزدهرة في الاندلس والتي لا زالت تستعمل حتى يومنا هذا في مصافينا الحديثة.

التقطير بالانبيق
ويذكر بان مادة النفثا قد تم انتاجها في حقول نفط باكو في اذربايجان في القرن التاسع . فقد ذكر الرحالة والمؤرخ العربي الشهير علي المسعودي المتوفي في 346 هجرية في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) بعد رحلته الشهيرة التي زار فيها مصر وسوريا وفلسطين والقفقاس وايران والهند وسيلان ومناطق من الصين قبل سفرة ماركو بولو بكثير ان في باكو (النفط الابيض وعين من عيون النار لا تهدأ على سائر الاوقات تتضرم الصعداء).
يقول ماركو بولو الذي زار باكو في 1264 ميلادية انه شاهد النفط يستخرج من حفر خاصة به. كما انه ذكر بانه شاهد نافورة من النفط المتدفق بكثرة. ويذكر فيما بعد بان اباراً يصل عمق بعضها 35 متراً قد تم حفرها يدوياً في تلك المنطقة لاستخراج النفط منذ عام 1594 وان عدد مثل هذه الآبار قد زاد عن  100 بئر  في عام 1830.
اما في امريكا فقد عرف عن الهنود الحمر في اوائل القرن الخامس بانهم كانوا يقومون بعمل حفر صغيرة في مناطق تسرب النفط لاستعماله كدواء. اما المهاجرون الاوربيون فقد كانوا يجمعون النفط المتسرب من الارض للاضاءة.
اما في العراق فقد استمر جمع النفط والقار عبر عصور طويلة من مناطق تسربهما في كركوك والقيارة وبلكانا وهيت. فقد كان يتم جمع النفط وملئه في قرب تحمل على ظهور الحمير والخيل الى مناطق استعماله. ومنذ القرن السابع عشر بوشر بتأجير منابعه الى متعهدين كعائلة النفطجي في كركوك التي حصلت على تعهدها بموجب فرمان خاص من السلطان العثماني. حيث شمل تعهدهم منابع النفط في منطقة كركوك ليستمر لغاية اكتشاف النفط في في حقل كركوك العملاق الذي تدفق النفط من اول بئر تحفرفيه بالطرق الحديثة الى اعالي برج الحفر في تشرين الاول من عام 1927 ليجري في الوادي  القريب منه المعروف بوادي النفط.
بداية صناعة النفط الحديثة
اما اهم واشهر بئر تم حفرها في العالم فكانت في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الامريكية في عام 1859. فقد حفرت البئر بواسطة برج حفر خشبي بسيط الى عمق 21 متراً لتترك عند المساء كي يستأنف الحفر فيها في صباح اليوم التالي. وعند حضور الحفار في الصباح وجد لدهشته ان البئر قد ملئت بالنفط تماما. فبالرغم من ان البئر كانت ذات انتاجية واطئة جداً لا تزيد عن 20 برميلاً باليوم مقارنة ببعض الآبار التي اكتشفت لاحقا في الحقول العملاقة التي يزيد انتاجها عن 100,000 برميل باليوم غير ان تلك البئر كانت الاولى من نوعها التي تحفر بواسطة برج, بالرغم من بدائيته, مما ادى الى حفر العديد من الآبار بالقرب منها بصورة عشوائية لتشكل ما يشبه غابة من الابراج لتشعل فتيل التسابق للتنقيب عن النفط في العالم بصورة لا مثيل لها من قبل مما اعتبر بداية لصناعة النفط العملاقة الحديثة.
اختراع السيارة
لقد كان الإستعمال الرئيسي للنفط حتى عام 1886 مقتصراً على انتاج الكيروسين (الكاز) للإضاءة وبعض الزيوت للمحركات البخارية المستعملة بكثرة في ذلك الزمان. الا انه في عام 1885 قام الالماني كارل بنز بتصميم وبناء سيارته الاولى التي تعمل بواسطة محرك الاحتراق الداخلي ليقوم بتسجيل براءة الاختراع في عام 1886 لتصبحت اول سيارة في العالم. قام بعده مباشرة كل من الالمانيان رودولف ديزل وكوتلب ديملر والامريكي هنري فورد بانتاج سياراتهم لينتشر استعمال السيارات بصورة سريعة مما زاد الطلب على وقود السيارات وبالتالي على النفط الخام بصورة كبيرة. وبحلول سنين ما قبل الحرب العالمية الاولى انتشر استعمال محركات الاحتراق الداخلي في الحافلات وسيارات النقل والطائرات والسفن والادوات الزراعية والمصانع وغيرها مما سبب تهافت الدول الصناعية للحصول امتيازات للتنقيب عنه واكتشاف منابعه.
 كما انه اصبح على رأس المتطلبات الاستراتيجية للدول العظمى في ذلك الزمان من اجل ضمان تشغيل آلاتها الحربية كالدبابت والمدرعات والسفن والطائرات وغيرها في خضم التوتر السائد فيما بينها قبيل الحرب العالمية الاولى.
السباق الى الشرق الاوسط
      لقد كان لاكتشاف النفط في تكساس في سنة 1901 صدى عالمي واسع حيث تم حفر بئر (سبندلتوب) الشهيرة الى عمق 347 متراً ليتدفق النفط منها الى اعلى البرج بارتفاع 46 متراً بمعدل مئة الف برميل باليوم فكان ذلك شيء اقرب الى الخيال مما فتح شهية الدول الكبرى وشركاتها لاكتشاف حقول عملاقة مشابهة.
وبالنظر لوجود ادلة قوية على احتمال وجود النفط في منطقة الشرق الاوسط كتسربه الى سطح الارض كما ذكر سابقاً, فقد قامت الدول العظمى في ذلك الزمان كبريطانيا والمانيا وفرنسا بارسال حملاتها الاستكشافية من جيولوجيون وغيرهم الى المنطقة لتحديد منابعه الغنية. كما قامت بنفس الوقت بارسال بعثاتها التجارية الى الاستانة وطهران من اجل الحصول على عقود امتياز للتنقيب واكتشاف النفط بدعم كبير من دبلوماسييها المتواجدين في العاصمتين.

بركة نفط في منطقة بلكانا القريبة من كركوك
اما في العراق فقد حاول الوالي العثماني المصلح  مدحت باشا (1869 – 1872) انتاج النفط في منطقة مندلي بمساعدة الالمان غير ان عهده لم يدم طويلا. كما حاول الفرنسيون في نهاية القرن التاسع عشر انتاجه في منطقة كركوك وبلكانة دون نجاح يذكر. كما قامت الدولة العثمانية في عام 1905 باستيراد بعض المعدات لانتاج النفط الا انها تعثرت بالاحداث السياسية المضطربة فيها التي ادت في النهاية الى دخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى.
  Anglo-Persian Oil Company شركة النفط الانكليزية الفارسية -
اما في ايران فقد استطاع المستثمر البريطاني وليام دارسي من الحصول على امتياز من شاه ايران لشركته في عام 1901. وبعد جهود استكشافية طويلة ومضنية استطاع دارسي اخيرأً ان يكتشف النفط بغزارة في سنة 1908 في منطقة مسجدي سليمان في اعالي نهر الكارون. لقد كان ذلك اول اكتشاف تجاري عالمي مهم للنفط في الشرق الاوسط مما فتح شهية شركات اخرى للتسابق للحصول على امتيازات لاكتشافه.
وبالنظر لحاجة دارسي للمزيد من الاموال لتطوير الحقل تم الاتفاق بينه وبين شركة بورما للنفط التي تعمل في الشرق الاقصى لتأسيس شركة جديدة باسم شركة النفط البريطانية الفارسية التي اصبحت شركة النفط البريطانية العملاقة الحالية في وقتنا الحاضر. قامت هذه الشركة بعد ذلك بالبحث عن النفط في مناطق اخرى من الشرق الاوسط وكان العراق على رأس قائمتها لتوفر الادلة الكثيرة على وجوده هناك.  
لقد كان العراق خلال هذه الفترة جزءا من الامبراطورية العثمانية التي اصبحت تسمى رجل اوربا المريض. فقد كان باستطاعة الدول العظمى في ذلك الوقت كبريطانيا والمانيا من استعمال نفوذها للضغط على الرجل المريض للحصول على الامتيازات للتنقيب عن المعادن والنفط لشركاتها.
خط سكة حديد برلين بغداد
اما في العراق فقد كان التنافس شديداً بين المانيا وبريطانيا، اهم الدول العظمى في ذلك الزمان، للحصول على امتياز من الامبراطورية العثمانية للتنقيب عن النفط. فقد استطاعت شركة سكة حديد

خارطة سكة حديد برلين بغداد
 الاناضول المملوكة من قبل البنك الالماني من الحصول على امتياز لمد سكة حديد في تركيا ومن ثم على تعديل شروط الامتياز في عام 1903 لتمديد السكة الى بغداد الذي عرف فيما بعد بخط سكة حديد برلين بغداد الشهير. كما اعطى ذلك الامتياز شركة سكة حديد الاناضول اولوية للتنقيب عن المعادن على جانبي مسار السكة. فقامت الشركة على اثر ذلك في 1904 بالحصول على موافقة اولية للتنقيب وتقديم تقريرها خلال سنة واحدة الا ان الشركة لم تلتزم ببعض الشروط مما ادى في سنة 1907 الى اعتبار الامتياز ملغيا.
اما دارسي فقد قام في سنة 1906 بمفاتحة الحكومة العثمانية بمساعدة الحكومة البريطانية للحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في العراق الا ان جهوده تلك باءت في الفشل. كما قامت كل من الحكومتين الامريكية والايطالية بالتوسط لحصول شركاتهما على امتيازات نفطية دون اي نجاح يذكر.
البحرية البريطانية وشركة النفط الانكليزية الفارسية
اما في بريطانيا فقد اصبحت فكرة استخدام النفط كبديل للفحم الحجري رائجة حيث  قامت وزارة الخارجية وبعض الوزارات الاخرى خصوصا البحرية البريطانية ليس فقط بالدعوة الى ضرورة سيطرة بريطانيا على الحقول النفطية لتأمين احتياجات البلاد المستقبلية منه بل ان تكون الشركات التي تملك حقول النفط  تلك بريطانية كذلك.
واخيرا وبعد نقاش طويل تقرر تحويل وقود الاسطول البريطاني الى النفط في عهد ادميرال البحرية  شرشل (1912 – 1915) الذي جاء في خطابه في مجلس البرلمان ما يلي :
( يجب على البحرية البريطانية ان تكون مستقلة في امتلاك وانتاج احتياجاتها من الوقود السائل .....) لينهي خطابه ذلك بالقول (ليس على اية نوعية، ليس على اية طريقة انتاج، ليس على اي بلد اخر، ليس على اي طريق واحد وليس على اي حقل نفط معين يجب ان نكون معتمدين. الاستقلالية واليقين في تأمين النفط تكمن في التعددية والتعددية وحدها)
    اما شركة النفط الانكليزية الفارسية فقد بدأت تواجه مشاكل مالية مما جعلها تلجأ الى الحكومة البريطانية التي استطاعت مساعدتها بشراء 51% من اسهمها مقابل 2.2 مليون باند استريني. لقد تمت موافقة الحكومة على تلك الصفقة في 13 ايار 1913 وموافقة البرلمان في 17 حزيران من نفس العام لتصبح الحكومة بذلك صاحبة الاغلبية في مجلس ادارة الشركة وبالتالي صاحبة القرار الاخير في توجيه سياستها لصالحها. وقد يكون من المناسب القول بان الحكومة البريطانية قامت  ببيع كامل اسهما في الشركة التي اصبحت تسمي شركة النفط البريطانية في العقد الثامن من القرن الماضي ما عدا سهمها الذهبى الذى يعطيها الحق في رفض اي قرار لا يتفق مع سياستها.
شركة النفط التركية
في هذه الاثناء تم الاتفاق في عام 1912 بين المصرف الوطني التركي المملوك من قبل مصالح بريطانية وفرع من فروع شركة شل والمصرف الوطني الالماني بتأسيس شركة باسم شركة النفط التركية التي بدأت بالتوسط للحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في العراق. وزعت الاسهم لهذه الشركة بنسبة 50% للمصرف الوطني التركي و25% لكل من فرع شركة شل والمصرف الوطني الالماني. وبذلك اصبحت هذه الشركة القوية التي تمثل مصالح بريطانية والمانية وهولندية منافسا قويا لشركة  دارسي البريطانية.
وبما ان شركة شل المملوكة من قبل المصالح البريطانية بنسبة 40% و 60% للمصالح الهولندية تعتبرالمنافس الشديد لشركة دارسي وكانت في نظر الحكومة البريطانية في الوقت نفسه تحت تأثير الحكومة الالمانية لذلك فضلت الحكومة البريطانية مساندة شركة دارسي عليها.  
لم يستطع بعد ذلك اي من الجانبين الالماني او البريطاني من الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط بصورة منفردة مما ادى في النهاية الى توحيد جهود البلدين بانشاء شركة جديدة باموال المانية وبريطانية سميت بشركة النفط التركية. استمرت المناقشات بعدها بين الحكومتين الالمانية والبريطانية ليتم دمج مصالح الفرقاء في الاتفاقية التي عرفت فيما بعد (باتفاقية وزارة الخارجية البريطانية) والتي تم توقيعها في اذار 1914. لقد نتج عن ذلك توزيع الاسهم بالنسب الالتالية :
- 47.5% لشركة النفط البريطانية الفارسية
- 25.0% للبنك الالماني
- 22.5% لشركة شل
- 5% لكولبنكيان الذي اصبح يسمى بمستر 5% فيما بعد.
ومن الجدير بالذكر ان اتفاقية وزارة الخارجية البريطانية انفة الذكر اشتملت على مبدأ الحرمان الذاتي التي عرفت باتفاقية الخط الاحمر الذي يقضي بمنع اي من الشركاء من الحصول على اي امتياز للتتنقيب عن النفط في اراضي الامبراطورية العثمانية في الشرق الاوسط بصورة منفردة ما لم يتم ذلك عن طريق شركة النفط التركية.
أثمرت اخيراً جهود الشركة الجديدة بضغوط منسقة من قبل الحكومتين الالمانية والبريطانية لتقوم حكومة الامبراطرية العثمانية بارسال رسالتها الشهيرة بتاريخ 28 حزيران 1914 الى السفيرين البريطاني والالماني في استانبول تعلمهما بان وزير المالية قد وافق على تأجير شركة النفط التركية ترسبات النفط المكتشفة او التي قد تكتشف في المستقبل في ولايتي الموصل وبغداد وانه يحتفظ بحقه في المشاركة في الشركة وتحديد شروطها. أصبحت هذه الرسالة البسيطة اهم وثيقة بيد الشركة لتعتمد عليها في المطالبة بحق الامتياز ذلك حتى بعد انهيار الامبراطورية العثمانية كما سنرى لاحقاً.
قامت الحكومة العثمانية بعد ذلك بقليل في 22 تموز 1914 باعلام ممثلها في لندن للطلب من شركة النفط التركية بارسال ممثلها الى استنبول للاتفاق على شروط الاتفاقية بحضور ممثلين عن السفارتين البريطانية والالمانية. لم تسنح الفرصة لعقد ذلك الاجتماع بسبب اندلاع الحرب العالمية الاولى بعد بفترة قصيرة في 5 تشرين الاول 1914 مما ادى الى انقطاع المداولات حول الموضوع تماماً.
دخلت الامبراطورية العثمانية الحرب الى جانب المانيا ضد بريطانيا وفرنسا لتمنى بالهزيمة ولتفقد سيطرتها على البلاد العربية تماماً. لقد كان من المتوقع في عام 1916 ان تكون ولاية الموصل الغنية بالنفط من حصة فرنسا وعندما بدأ يظهر بان تلك الولاية قد تكون من حصة بريطانيا بدأت فرنسا بالمطالبة في حقها بالمساهمة في الامتيازات النفطية العراقية التي سيتم الاتفاق عليها مستقبلا.
عقد على اثر انتهاء الحرب مؤتمر سان ريمو في 24 نيسان 1920 الذي انتهى بقراراته بشأن توزيع الغنائم من ممتلكات الامبراطورية العثمانية ليوضع العراق تحت الانتداب البريطاني. كما الحق بتلك القرارات رسالة سرية اعطيت فيها حصة البنك الالماني في شركة النفط التركية البالغة 25%  الى فرنسا كما اعطت تلك الرسالة السرية الملحقة بالاتفاقية العراق حق المساهمة في الشركة بنسبة 20%.
النزاع بين بريطانيا والولايات المتحدة على النفط العراقي
اما الولايات المتحدة الامريكية فقد وجدت نفسها بعد انتهاء مؤتمر سان ريمو بانها قد حرمت من الغنائم من ممتلكات الامبراطورية العثمانية فقامت بالمطالبة بذلك ليحصل من جراء ذلك خلافا مريرا بينها وبين بريطانيا. فقد قامت ا الولايات المتحدة الامريكية بمهاجمة بريطانيا وفرنسا لقيامهما بالاستحواذ على كافة الغنائم لتطالب بتطبيق مبدأ الباب المفتوح لاشراكها فيها. اما بريطانيا فقد ادعت بان السبب يعود الى عدم اعلان الولايات المتحدة الحرب على الامبراطورية العثمانية اضافة الى عدم حضورها مؤتمر سان ريمو. اثار ذلك غضب الولايات المتحدة الامريكية التي قدمت مذكرة شديدة اللهجة تذكر فيها بريطانيا وفرنسا بالمساعدات الكبيرة التي قدمتها لهما والتي مكنتهما من النصر. اجابت الحكومة البريطانية بانها تمتلك نسبة 4.5% من النفط العالمي فقط بينما تسيطر الولايات المتحدة على 82% منه. استمرت الولايات المتحدة بالمطالبة بالباب المفتوح مذكرة بريطانيا بانها كانت احد الموقعين عليه في عام 1899 كما انها شككت في قانونية رسالة الحكومة العثمانية التي اعطيت الى شركة النفط التركية التي تطالب بموجبها بحقوق امتيازها للتنقيب عن النفط في ولايتي الموصل وبغداد. بدأت الحكومة البريطانيا تواجه موقفا صعبا امام عناد الحكومة الامريكية فاما ان تستمر برفض طلب المشاركة لتجابه تهديدات الحكومة الامريكيه بالذهاب الى التحكيم او بالاتفاق على حل معقول لمشاركتها. فقررت بعد مباحثات طويلة الموافقة على تخويل شركة النفط التركية  اجراء مفاوضات مع بعض شركات النفط الامريكية للتوصل الى حل معقول يلبى طلب الحكومة الامريكية تفاديا للقطيعة. تم على اثر ذلك اجراء محادثات بين ممثلي شركة النفط التركية وسبع شركات نفط امريكية تم التوصل فيها على مشاركة الشركات الامريكية في شركة النفط التركية لتنتهي تلك الازمة بسلام.
توزيع الاسهم بين الشركاء الجدد
جرى بعد ذلك نقاش طويل على توزيع الاسهم بين الشركاء ليتم توزيعها في النهاية كما يلي :
- 23.75% لشركة النفط الانكيزية الفارسية
- 23.75% لشركة النفط الفرنسية
- 23.75% لشركة نفط شل
- 23.75% لمجموعة شركات النفط الامريكية
- 5% لكولبنكيان
- تعويض شركة النفط الانكيزية الفارسية عن خسارتها لبعض اسهمها باعطائها 10% من النفط الذي يتم انتاجه من قبل الشركة.
كما تم الاتفاق على جعل حصة كوبنكيان لا تملك حق التصويت في مجلس الادارة حتى لا يستطيع اي شريكين من الشركاء الاربعة الكبار الانفراد باتخاذ القرارات.
اتفاقية العمل لشركة النفط التركية
بدأ الشركاء  الجدد في شركة النفط التركية بمناقشة المبادئ التي سترتكز عليها الشركة ليس في سياستها الداخلية فيما يخص الشركاء فقط ولكن فيما يخص العلاقات بين الشركة والحكومة العراقية والتي سميت باتفاقية العمل. لقد استمرت تلك المداولات وقتا طويلا يقدر بحوالي ست سنوات من 1922 ال 1928 ليتم خلالها الموافقة على المبادئ التالية :
- مبدأ الباب المفتوح والقطع الصغيرة
كانت الشركات الامريكية قد اقترحت تطبيق مبدأ الباب المفتوح لترضية الحكومة الامريكية التي حصلت من خلاله على مشاركة المصالح الامريكية في شركة النفط التركية فاقترحت مبدأ منح الامتيازات بالقطع الصغيرة الذي ينص على ان تختار الشركة 12 قطعة ارض مساحة كل منها 16 ميلا مربعا اي بمساحة كلية تساوي 192 ميلا مربعا لتختار الحكومة العراقية مثل ذلك العدد من القطع لعرضها للمناقصة التي يحق لشركة النفط التركية المساهة فيها وهكذا.
لاقى ذلك الاقتراح معارضة شديدة من قبل كولبنكيان الذي ادعى ان ذلك قد ينتهي بمشاركته بمساحة 192 ميلا فقط بينما يحق له المشاركة في 5% من المساحة الكلية لولايتي الموصل وبغداد التي تقدر ب 159,000 ميلا مربعا. لاقى هذا الاعراض مساندة من الجانب الفرنسي الذي تخوف من استحواذ الجانبين البريطاني والامريكي على العديد من القطع بالدخول في المناقصات الاخرى. تم بعد ذلك جعل عدد القطع 24 بمساحة 8 ميلا مربعا الا ان ذلك لم يرض كلبنكيان او الجانب الفرنسي.
وبالرغم من شمول اتفاقية الامتيازات النفطية العراقية الاولى لسنة 1924 على مبدأ القطع الا ان ذلك المبدأ تم الغاءه في اتفاقية 1931 لتستحوذ الشركة على الاراضي الواقعة شمال بغداد وشرق دجلة بمساحة 32,000 ميلا مربعا وليلغى مبدأ القطع تماما.
وهنا لابد ان نشير الى ان الغاء مبدأ القطع الصغيرة المبني على سياسة الباب المفتوح التي اصرت عليه الحكومة الامريكية في البداية لم يلق اي اعتراض من جانبها ما دام ذلك لصالح شركاتها.
   - مساهمة العراق في راس مال الشركة
لقد نصت الرسالة السرية الملحقة في اتفاقية مؤتمر سان ريمو لعام 1920 على (لقد تم الاتفاق بانه في حالة تكوين شركة نفط خاصة بالشكل المار الذكر فانه سيسمح للحكومة الوطنية او المصالح الاخرى – اذا رغبت في ذلك –  في ان تساهم بنسبة 20% من المال الخاص بتلك الشركة). وبالرغم من ذلك النص الصريح فقد قرر الشركاء في شركة النفط التركية عدم الالتزام بذلك لتخوفهم من تدخل الحكومة العراقية في سياسات الشركة المالية والانتاجية وغيرها. وذلك ما حصل بالرغم من مطالبة الحكومة العراقية بذلك قبل علمها بوجود الرسالة السرية وبعد ذلك ايضا.
- سعر النفط
لم يكن هناك سوقا عالمية معروفة للنفط في ذلك الوقت وبذلك لم يكن هناك سعرا يعتمد عليه ما عدا الاسعار المختلفة في سوق النفط الامركية الواسعة. لذلك قرر الشركاء تسعير نفط العراق باربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد معتمدين بذلك على اجتهادهم الخاص بذلك. لقد اعتبروا ذلك سعرا عادلا مما سيدر على الحزينة العراقية موردا ثابتا لا يخضع للتذبذبات في الاسعار العالمية كما انهم ادعو بان ذلك سوف يجنب الحكومة العراقية تقديم الاموال الازمة التي لا تمتلكها للمساهمة في رأس مال الشركة. 
- الشركة غير ربحية
اثار الشركاء الامريكيين موضوع الضرائب وانهم سوف يتعرضون الى الخضوع للضريبة المزدوجة من قبل الحكومتين الامريكية واالبريطانية وذلك بالنظر لكون الشركة مسجلة في بريطانيا وان ذلك غير مقبول من قبلهم. وجد الشركاء بعد مداولات طويلة بان الحل الامثل لهذه المشكلة جعل الشركة مسؤولة عن ادارة اعمالها لقاء حصولها على الاموال اللازمة لتغطية نفقاتها دون مشاركتها في الارباح حيث يقوم كل من الشركاء بأخذ حصته نفطا دون حصول عملية بيع او شراء.
- مبدأ الحرمان الذاتي او اتفاقية الخط الاحمر
لقد تم شرح تفاصيل هذه الاتفاقية الاحتكارية باسهاب في فصل اتفاقية الخط الاحمر لاحقا.
- مجلس ادارة الشركة
تم الاتفاق بين الشركاء على ان تجري ادارة اعمال الشركة المهمة دون اي تدخل من قبل الحكومة العراقية الذي قد ينتج عنه خلالافات مستمرة بينهما. فبالرغم من موافقة الشركة على تعيين عضو مجلس ادارة من قبل الحكومة العراقية الا انها كانت تدعوه لحضور الجلسات الروتينية فقط بينما يتم بحث المواضيع المهمة كالميزانية وسياسات الاستكشاف والتطوير والانتاج وغيرها في اجتماعات اخرى.
- مدة الامتياز
ان تكون مدة الامتياز بحدود 99 سنة.
- عدم خصوع الشركة للضرائب العراقية
قرر الشركاء تفادي الشركة الخضوع للضرئب العراقية لما في ذلك من مخاطر احتمال زيادتها في المستقبل بصورة كبيرة. لقد تم التغلب على ذلك كما سنرى بعد ذلك باخضاع الشركة الى نفس الضرائب التي تخضع لها الشركات العراقية.
- رئيس مجلس الادارة
تم الاتفاق على ان يكون رئيس مجلس الادارة بريطانيا بصورة دائمية.
- شركة نفط العراق
الاتفاق على استبدال اسم شركة النفط التركية بشركة نفط العراق اعتبارا من 8 حزيران 1928.



شعار شركة نفط العراق
هذا وقد استمرت خلال هذه الفترة المفاوضات بين الحكومة العراقية والشركة ليتم توقيع اتفاقية الامتياز فيما بينهما في عام 1925 كما استمرت اعمال التنقيب عن النفط من قبل الشركة دون توقف ليتم اكتشاف حقل كركوك في عام 1927.